الاثنين، 28 مارس 2011

هشيم حرف [ صفحة من مذكرات مُطلقة ]

قِيلْ " يَجب اسْتغِلال أكْبر عَددْ مِن النِساء الغَبياتْ لنسيان امرأة ذكية " * مِيشيل أوديار ، أتَدْري يا زوجيْ ؟ أنْ يعتاد الإنسانْ على الحُزن ؛ كأنْ يَرقُص على أنْغام إيْقاعاتٍ صاخبةْ ، أيْ أنْ يعيش مُكبلاً بالذكريات ، يخلق من الصمت ضَجيجَ المفقودين ، أيْ أنْ يُرسل تعويذات من الآلامْ في حُجرات لهو الموت اللذيذ .

غَرقِتُ في سعادة الحُزن يا حبيبي ، لازلتُ أشْعر بأنَّ الحنين يلاعب شفاهي ، والمُؤكد أنَّ مفتاح بوابَة مشاعري لا يُمكن أنْ يسقط إلا بأحضان طِفلٍ منكْ ، كحمد تماماً ، كحين كان يسألني عن الغربة التي أوقعتنا فيها بين فكَّ نهاية سطرها .

صدقني يتسربل الحزن إلى قلبي ، وأنا أشرخ اللغة بمشاعر كان الخطأ اللقاء الأول وتلاه الزواج ذا بقايا الذكرى ، فقد حبستُ الدمع عمراً ، وبكيتُ تنهيدة ثكلى أبت أن تظهر حين انتهت حكايتنا ، صدقني يا عزيزي ، كنتَ مُختلف عنهم بكل شَيء ، كُنت الرجل المُبجَّل إن صح الأمر بنظري .

بكيتُ سكيناً استل في جسدي ، بكيتُ طلاقاً كان سببْ تناثر حروف الهجاء ما بين عار المجتمع وكلمات الناس المُتطايرة , و ما بين فاه جَرح الشخص و تنكيل جُثته ، أهديتني طَعنة بسكين الحياة ، جعلتني تلك الساذجة التي تضحك أمام أهليها ، تلك التي تبتسم لتقول " حتماً أخطأت الاختيار " ، كُنتَ مَشروع عُمراً جديداً ، كنتَ غُربة مُوحشة مُستحبة ، كُنتَ ذات يَوم جَحيماً يُطاق وها أنتَ الآن نعيم لا يُستساغ ، حطمتُ ذاك الصُندوق الذي احتوى على أصغر ذكرى لنا وهي خاتم زواجنا ، امسحُ دمع كلَّ حرف سَكن قريب السَطر وبعيد القلب ، تتزاحم أصابعي لتلسع وحدة غريبة ، ودمعة وحيدة ، وأشياء لم تكن تستحقها ولكنَّك أخذتها رغبة وعنوة وأمراً مني !

بكيتُ طلاقاً مغشياً عليه ، وحُلماً علَّق روحي البريئة ما بين رثائي لموت حمد ، وإغلاقكَ لأبواب قُربك ، لم يَبقى منِّي شَيء ، لا عين تُبكيك ، ولا شوارع تَصْرُخ تستجديك ، ولا حتى أبْجدية تُرثيكْ ، كُنتَ ذات يَوم ذاكرة ورق ، وأصبحت هَشيم حرف ، فنحنُ في زمن الكاذبون ، المنافقون ، الذي يتخذون من الدين طريقاً لشهواتهم .

والديْ ، تَركت قُبلة ضاجعت جُبهتي قبل فراقكَ لنا ، أرْسلتَ دعاءً معطاءً محفوفاً بالنبضِ والعاطفة ، قُلتَ والدمع يترقق في عينيكْ " آمنة ، اقْبلي به ، هُو من يلمع في عينيكِ يا ابنتي ، هُو الذي أجده بينَ طيَّات قلبكِ مُذ كنتِ طفلة تَشتهي البُكاء على أحضانِي ، هُو الأجْدر بكِ بعد مَوتِي ، هُو تلك العاطفة الأكبر التي تليني يا فتاتي "

أينَ أنتَ يا أبي ؟ لترى ماذا فعل بي ؟ ماذا فعل ذاك الذي تصورته أنتْ ملاذاً لقرة عينكْ ، تصور هُو قابع ما بين عيني وقلبي ، وأنا بعينيه يجب أن أنام بين شوارع تلك المدينة لألهو ببكائي على حمد ، وخيانته التي كانت حاضرة بطريقة مُبهرة ، هو الذي كانت كلماته تتسابق أمامكْ ، ها هُو ذا خذلني ، ألم تُخبرني أنَّه النبض والقلب والعاطفة ؟ ألم تبتسم لي ذات ليلة لِتُصَرِّحْ بأنِّي لن أكون لسواه ؟ بأنَّ قلبي يجب عليه أن يحتوي عبقاً من حنو اللهفة والحنين والعشق له ؟ ألم تأمرني قبل ذهابك بأنْ أصوغ حرفي فقط له ؟ كُنتَ يا أبي مُتطهراً بآيات الطُهر ، سَكنَ فيّْ كَما سكنت أنتْ ، ولكنَّ الفرق ، أنَّك بقيت رغم رحيلك ، و هو رحل رُغم بقاءه !

يُقال " المرأة إذا كرهتْ بجنون ، فهي كانت تعشق بجنون " ، أيُمكن أنْ أفسِّر كُل ذاك الكُره المُترجم إلى غيرة لرجلٍ واحد ، رجم قلبي بخيانة مُؤقتة ؟ ضحَّى بأمٍ سهرت بمرضه ، وزوجة كانت الأجْدر بكلِّ شيء ، وطفلة داعبت أنفه متى ما شعرت بالاحتياج والرغبة ، لأنَّه كان لها الأب والأخ والصديق وحتى الزوج والحبيب .

أمِي ، وصلتُ إلى مرحلة أنَّ المجتمع والناس أصبحوا يلوكوني في فاهِهِمْ ، دَثريني بعينيكِ ، احْميني أقلَّها من هذه الحياة ، أرْجعيني مرة أخرى إلى رحمكْ ، خُذيني ما بين قلبكِ وأنفاسكِ ، كفِّني حرفي الذي لم يُعد يكتب عن سواه ، ها هُو بسببه ، أنا الآن وَحيدة ، أبْكي مُعتزلة ، نظرات النُاس تقتلني ، لم أعُدْ قادرة على المُثول ولا المُكوث ، أنا بحاجةٍ إلى أحضانكْ ، إلى تكفيفكِ حُزني ، وتلمُّسكِ بطريقة حانية على ألمي ، أنا بحاجة إلى أن تمرري سبابتكِ على قلبي ، وأن تُحركِّي خُصلات شعري لأتوكأ على سَفح خيالاتكِ التي تُغنيني عن كُلِّ شيء يخصه ، أمي ألن تعودي أنتِ وأبي ؟ أمُتأكدة أنَّكم لن تعودوا ؟ ألا تُريدون العودة إلى هذه الحياة ؟ إذاً ، خذوني ، فلا حمد هنا ، ولا حتى زوجي ؟ فلمن أبقى ؟

كانت ليلة مليئة بالخذلان والهزيمة ، أستقل جريدة الصباح في المساء مع كوب من قهوة الحُزن السوداء ، اقرأ عناويناً كثيرة ، فتجذبني تلك ، التي تتحدث عن حاشية القدر وبُكاء النساء المُطلقات ، ليس البُكاء على أزواجهن بل خطيئة الزواج ووزر الزوج ، ودناءة المجتمع ، يبكون الفراغ القاسي والأسرار المُخبأة بوحل السواد ، تمضغني فكرة الطلاق من بعدك ، فلم أعد أميز بين رائحتي ورائحة دخانك وعطر حمد ، انحنى قلبي هذه الليلة ، وأنا أخط تلك الأحرف بسبب إحداهن حين قالت بصوتٍ جهور " سرق منكِ ماء عينيكِ وأهداه لصديقتكْ " ، هل أبكي الأخريات ؟ أم أرثي حال النجوم البالية التي تقطن في سماء صدري ، أنام طويلاً وفاهي مشرعة أبوابها على أوسعه ، وأتلوى كالثعبان تماماً ، وأموء كما تموء القطة ، وأبكي كبكاء طفلٍ رضيع يحتاج إلى صَدر أمه ، مَخذولةُ تماماً أنا ، ففارسي كان أقسى من الذئاب ، ألتهمني وأنا بوجع حمد كنتُ صماء بكماء عمياء .

لم أتجرد من النسيان بعد ، لأقُول بأنِّي كرهته كما تَكره النساء ، بل كرهتُ سذاجة المُجتمع لنظرتهن إليْ ، كانت لأصابعي أحاديث سرية ، فكانت تبكيك على الورق ، كان القلم يأن من مسكتها ، أمَّا الأمل فكان مشروع فاشل فيّْ ، لحظة صماء وشعور لا يُنطق أبداً ، ومشاعر لا تُستساغ كذلكْ .

بغيابكَ المُتعمد ، وقُبولي لفكرة النهاية أدى للكراهية بيني وبين البشر ، نشر في جسدي الحقد لصديقاتي ، فهن يتكلمن عنِّي بالسوء ، لا أحد ينظر إلي كإمرأة مُتحضرة أبداً ، لم تعد لدي صديقات ولا أهل ، أوقعتني بحفرة وتدحرجتُ إليها دون حواس والكل من حولي يتضاحكون / يتهامسون وينظرون !

أضحى جَسدي باهتاً من كلِّ شيء ، أصبحتُ كالعمياء التي ضلَّت طريقها ، أجُوب الظلام لأبحث عن شَيء لا أدري ماهيته ، فالصمت المُطبق على رؤوس ما اكتب يحتاج إلي بلا عمر ولا براءة ولا حتى خبث ! يجب أن أكُون في طور نمو الكُره والنسيان .

كان يجب أن أبلغ سن النسيان مُبكراً ، حتى لا يخترقني فيروس الناس ، حتى لا أقع عند مطبة غادر فيها هو ، وبقيتُ أنا والناس حولي متجمهرين ، من أقصى الذاكرة أردتُ أن أمْلك في داخلي ألف وجه و في خارجي أقْسم بأنِّي لن أعُود مُجدداً ولو لفكرة تخطر علي نحو نسيانك ! ولم أستطع .

أضعف ما نكون حينَ نشعر بمشاعر صادقة ، يتلمسها الغرباء فينا ، ويتشبثون بها ، و القريب بلغ سن الرشد من الغباء والتجاهل و ابتعد ، لا زلتُ أطرق أبواباً من الكم الهائل لشوق صغير نبع في داخلي ، ولا زلتُ أشتم رائحة بداية نسيان له ، وتجاهل لهم !

ألا يُمكن للمطلقة أن ترى حنين الشمس من جديد يدخل بين ستارة غرفتها ؟ ألا يُمكن للأمل أن يطرق أبواباً موصدة من حديد الهلع والخوف والعزلة ؟ ألن ينظر الجنين المحتمي بإنكساراتِ حرفها إلى مُستقبل والدته ؟ ألن تخترق السعادة سلسلة الجُروح المُتراكمة تحت سؤال واحد ( هل لازلتِ بخير ؟ ) .

من رحم الوجع ، وُلد إحساسي بالضياع ، ريح النسيان لا زالت تُحرك شُجيرات من الذكرى تنتحب في صدري ، فدخان أشباح الناس أخترق رئتاي وها هو يستل إلى باقي جسدي ، ورياح الصفاصف تشتد في نفسي ، وأبقى ملازمة لفراش المرض ! بسبب أفواهٍ أبت أن تصمت ، وقلوبٍ رفضت أن تصفى ، وعقولٍ عجزت عن طور التطور وفهم الطلاق من مفهومٍ آخر ، بعيد عن عجز المرأة ، وإهمالها .

كنتُ شَغوفة في شتَّى المجالات ، أحاول التنبؤ بمَ يمكن أن يحدث ، ولكنِّي أراني أتحدث عن المِحْور ذاته ، فثمة شيء لا يُريد أن يتعلق بقلبي الشقيُّ به ، ولسان المُجتمع الذي يُصبحون ويُمسون بي ، فقد خان حمد دربي ، وسالم قلبي وجسدي .
مَشنوقةٌ بالحَرف والحُب والدُروب !
وبعدْ ؟
دوني ودون والدايْ وزوجي وابني ، أنا لؤلؤة سوداء ضاعت في دهاليز الأماني القاصرة ، والأوهام التي وأخيراً تبددت من بعدِ سرابٍ مُتقن بواقعٍ مرير .

بِئسَ الحُب وعار المُجتمع وكفى !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق