السبت، 19 مارس 2011

لَذعة الإعْتراف

مَا هِي الأشْياء التِي قدْ تُخلِّف أمانِي عاقرة ، تُولدُ غضباً في داخلناْ ، تُهْدَر مِن أفْواهِنا ، وتَنْدثر تحت قُبور أقلامِنا ، تَدمع العينْ ويُدمى الفُؤاد لأنَّ جفني احْترق وطويتُ صفحة الأمَل ، كُنتُ كأيْ نبتة صغيرة تُريدُ أنْ تُسقى وتنمو ، تُريد أن يكبر جذعها ويشتد عُودها ، أن يحتمي الناسُ تحت ظلِّها ، وقد كنتُ كأي طفلة تَحلمْ باقتناء جَناحِينْ مِنكَ يا عُصفور ، أنْ أشرب كوباً من القهوة فوق الغيوم ، واكتب وأنا أداعب ميلاد النُجوم ، كنتُ أخبئ احتمالية أنَّ احتراق تلك الأحلام قد لا تُجدي نفعاً ! كُنتُ تلك الأنْثى التي مَضت بذكرياتها وهي تُرددْ تأخرتَ عَلَيْ يا حُب ، تهتُ بين شطآنِكَ يا عشقْ ، كنتُ أدندن بآمالٍ مثقوبة ، أحلم برجل يُمارس حُبَّه بطريقة مختلفة ، بطريقة هادئة وغجرية في آن واحدْ ، أن لا ينتظر من الأزمنة شيء ، أنْ يجعل من الأطراف الرمادية نوراً يحتكُ بريقه بنا ، أن لا يقف على الطريق فقط ، بل يُغني بارتياب ويرسمني لوحة ملمسها مشاعر ، ولونها حالك كالدموع التي نمت في عيني ، صوتها قصف حنجرتي المليئة بلذعة الاعتراف .


ها أنا اليوم اعتكفتُ لترتيب أحلامنا ، لم أعلن حبي لأحد سواه ، لم أتكلم عنه أبداً ، تَركتُ أمانِيْ مُرتَبطة بتلكَ التُولب الحمراء ، كُنتُ أحَركْ أصابعي بسلاسة وهُدوء لأقطِف الورقة تلو الأخْرى ، لأرددْ هل هُو مختلف عنهم ؟ أم مثلهم بالكذب والنفاق ؟ كنتُ أقيس حُبَّه ليستحوذ على الأماكنْ الفارغة من الخيالْ ، وفي ذاكْ الوقتْ سمحت ليدي أن تُمَررْ على بُؤرة واحدة من قلبه ، وصلتُ إلى عُنقه فتعجلتُ باختراع زمن ذا زاوية لا لون له ، وطاولة على سبيل التغيير ، أن نقوم بأشياء مختلفة تماماً ، كأن نحتفل بيوم الحب في غير يومه ، وأن نتراقص على يوم الورد في يومٍ أهديتك فيه وردة ، وأنْ نغنِّي في يوم الألوان ، لنسبح في بركتها ، ونتبادل روعتها ، لنبدِّل حمَى الغرابة باستقرار الماء على نهر العواقب ، أن نتراشق رغباتنا ولستُ مسؤولة إن قضمتُ تفاحة أحلامك بعد ذلكْ .


أحُبهُ قد لا تكفي ، ففي جنوني لذة الانتظار ، وفي عقلانيتي رغبة اتهامه بالسرقة ، لم يكن له اسماً محدداً ، فربما فرح كتلك الرزمة التي منحني إياها وأدخل الفرح لجوانب حياتي ، وقد يكون لون ؛ لأنَّه أعاد ترجمة حياتي من جديد ، وقد يكون حُب لأنَّه علَّق أحلامه فوق كتفي ، وقد يكون شوق ؛ لأنَّه جلس قبالتي واستهلكَ قلباً وقبلة ، وقد يكون آمنة ، لأنَّه أحس بقيمة الحرف ، وانساق حتى هذه اللحظة وقال ( أنا هُوَ أنتِ ) ، ورسم طموحاته على جبيني ، و نحت أهدافه وبعثرها على قلبي ، وكأنِّي أنا تلك التي تدرس وتعمل ، دون مخاطبة أحد ودون إزعاجهم .


قَدْ تَلْتَقيْ الأرْواحْ ، وقَد تَلتقي الحُروفْ ، ولكنْ ليْس مِن الضَرورةِ أبداً أن نلتَقي مُجدداً عِند ذاكَ المُنْعَطفْ ، لازلتُ أشيِّعُ مَعكْ علاقَة لَمْ تَكْتَمِل إلى الآنْ ، رُبما صَفُحة وُشِمَت بحرفْ ، ورُبما شاطئ بلا مواعيدْ ، والاستحالة أنْ تَكون حِكايَة مَنْسُوجة النِهَايةْ ، وقبل النِهايَة لابُد مِن توقيعْ لتفاصيل صغيرةْ أضْحَت أطْول عُمراً لبعض التأويلاتْ الكاذبةْ .

إليكَ يا صَاحِبَ بَوحيْ ، كَمْ كُنت أحُب صباحاتِي المَوشومةُ بكْ ، كم كنتُ أستمتع برشفة الحُب التي تسقيني إياها عند صَحوي ، كنتَ تَمزج لذة الحُب والعشق في ذلك الصَباح ، كُنت ألمح الحُب بين عينيكَ يا رجلي ، كُنتَ مدينتي المُختلفة بكل شيء ، فدائماً ما تكون للبدايات لذة ، وللنهايات نكهة ، ولكن بدايتكْ لا يُمكن للقدر أن يَمُحوها مِن الذاكرة أبداً ، ولن يجرؤ الزمن على مُداعبتكْ في حضرتي ، ولن تستشعر طعم النهايات بتحرشكْ لصمت الصباح ، فكأنَّك تشي بسر النهار في حضرتي .


جنونكَ الذي بات يُحاصرني ، كُنت هادئة وأنا أتأمل زهرة بيضاء أعطيتني إياها في ذلك المساء ، قلبتَ الكون كُلَّه فوق رأسي ، اخترنا بحب أن نجعل من أطيافنا ملجأً لكل عاشق ، صادفنا تلك الصور التذكارية التي تتهيأ لإعادة كلماتنا ورميها في موقد النار ، صفحاتٌ تنادينا ، تستشعر العشق العالق بين ثنايا ثيابنا ، يحاول الشيطان إغواءنا ، يُبلل ريقنا بصوت بعضينا الدافئ ، فتهمس لي بعمق " تجعليني أفْرز بعضاً مِن إفرازات الهُدوء ، وتجعلين كُل الهزائم بنظري انتصارات رغم الساعات العتيقة التي نقضيها سوياً "


بعد فترة من تلك الأحلام التِي زُرعت في دواخلنا ، مِنْ ضَجيج الصَباحْ وهُدوء الليلْ ، مِن جَمال المَساء وأغنية تَبُوح لنا بالمَشاعر ، وقصيدة تَشينا بالكلماتْ ، إلى جُرح غيابْ ، وريح طغاة ، إلى وَجع لا يُغتفر يا سَيدي ، إلى طُفولة اُنْتُهِكَت ألوانها ، ومُراهقة مَارستْ جَبروتْ الانتماء ، إلى حريق سنينْ مكث في نفوسنا و كابر وابتهل ، وغُرور حُزنْ غرَّد نذير شُؤم وارتحلْ ، و كَبُرَ صَدرُ الوَرَقْ وصّلى ! تباً لشغب القلم ، وسَغب البُؤس ، تباً أخرى لأنفاس عانقت صدرك ، ومشاعر ضاجعت قلبك ، و حُروف عَلِقتْ بحُنجرة السَماء وتناثرت هجراً وفراقاً وغياباً وارتحالاً .


بأعْلى صَوتْ الصمتْ كُنتُ أبْكي ، وبأدْنى صَوتُ فيروز كُنتُ مشهداً لا يُرى إلا بالعراء ، كُنت ثياب ابتسامة ترتديها شفاهي متى ما أطفأتَ أنتْ سيجارة الفراغ في قلبي ، وحيدة داهمني الليل حينها ، رتبني القمر تبعاً لِلَحنِ غَزل والدي بوالدتي ، كلمني شوقي كغيرةٍ صحت بين صفحات إحدى الرواياتْ ، بعد سنين من الانْتظار ، بتُ أتحسس بعض من معالم جَسد الأبْجدية التي تخصكْ ، وكأنَّ كَرب الجُنون أصابها ، ومرضَ العشق عرَّى ظَهر قلمي وجعلني عارية أراقص أطفالاً أنجبناهم بخيالنا .


لم أكُن أنا ذاتها حين جئتكَ مُهرولة أراهنكَ على نزف ابتسامة مِن شفتي ، وضحكة مَساء خذلتنا ، و رصيفٌ يتفرج على انتصار القدر علينا ، أينَ وُعودكَ يا شرقي ؟ أين شهقاتك تلك التِي علت عند سماعكَ خبر خطبتي ؟ أين حمامكَ الزاجل الذي حطَّ فوق شباكي لأطْعِمَهم مِن نبض قلبي ، وحرف رسالتي لكْ ، أينَ احتضان قلبك لجوفي ؟ وأينَ صوتكَ الدافئ لمسامات فَمِي وأُذُنِي ! لا شهوة كتابة تعتريني ! ولا كذبكْ في تلك المقولات التي كنت ترددها على مسمعي كلَّ ليل يُفيدني ! ووجه السؤال الذي تاه بين وُجوه المناديل ( موصدة الأبواب في وجهي ، فأين مفتاح الصدق الذي نزف غيابكْ ) ؟


صدقني لم أكن غامضة في شيء ، لم أكن خالية من الحنين ولا مغتربة بتلك الطرق ، لم أطالب بالمستحيلات السبع ، طالبتُ بتلك الكذبة التي لطالما صدقتها وآمنتُ بها ، طالبتُ بقصاص الحب ، بأن أرمِّمْ سراب تلك الأسطورة ، بأنْ أحُب وأعشق ، بأنْ نحوي بعضينا ، ومن شدة الامتلاك نشعر بأنَّ أنغام الليل تنسكب علينا بعفوية متمرسة ، لم أكن أطالب بإخفاء نظراتنا ، ولم أرغب بفصول متراكمة من مجهول يمتلئ بي وأمتلئ به .
وها أنت أصبحتَ حقيقة ذات يوم ، وكأنَّني للتو وُلدت ، وكأنَّك أمسي وحاضري وغدي ومستقبلي كذلك ، تهتُ بالزحام معك ، ولمع وميض الحب ليبزغ ضوءاً اعتكف اليقظة ، كنتَ بلا تكاليف ، شرقيٌّ متدرج ، كنتَ مختلفاً عنهم بكل شيء ، كنت تغفو بحضني متى ما شعرت بحاجتك إلي ، وكنتَ تتناول صوتي متى ما شعرتَ بالنعاس ، كنتُ أضمك كطفلٍ تواجد في رحمي ، ونمى بين أحشائي ، كنتَ تمشي بين أرجائي ، تنعشني بمشاعرٍ عشوائية ، لم تُعكر صفو يومي أبداً ، قتلت شعوري بالماضي ، نحرتَ حُزني وألمي ، ضُقتَ ذعري وادخرت خُصوصياتي .


ظلِّي اتكأ على قُبلةٍ قذفتها بشفاهكْ وها أنتَ تَهوي بي إلى قُعْر الجحيمْ ، كَم اشتهيتُ السُقوط فيك وليس السُقوط في وَحِلْ صُنع الأحلامْ ، كَم تمنيتُ أن ألتقي بتلك الساحرة التي تُحقق أمانينا ، لأقُول بأنِّي خُلقتُ مِن ضلع أعْوج ، فأنا إذاً احتاج إلى حُضِنه لأُهَدْهِد صَدري ، ولأهَسْهِس بقصص ما قَبل النَوم ، لأكُون لوحة بيضاء أرْسُم فيها ما أشاء ، ولأهرب إليكَ حينَ أنفض قميصي الذي دسستُه ذات مساء تحت وسادتي ! وأبْقى عالقة على وجهٍ بائس وكذبة مُفتعلة اسمها الحُب الصادقْ !


نعم كنتُ أنثى استثنائية بكلِّ شيء ، بقلمي الذي تاه بين عينيكْ ، وقلبي الذي بات يُردد هات يديكْ ، و روْحي التي باتت تنتحب تناديك لتطرق باباً يستقبلكَ به والدي فيُمطر الحُب علينا زواجاً يُكلَّلُ بجيدٍ مِن ذهب لا ذبحة صدرية ، كنتُ أمضي وأنا أقُول خذ تفاصيلي وامنحني طفلاً جميلاً منك ، خذ قلبي وكن أغنية تترنم على شفاهي ، فأتوسد يديكَ كلَّ ليلة محاولةً النوم ، فأكذب لأغْمض عيني وأنا أتلذذ بقربك ، حتى وإنْ لم يمنحنا القدر ما نُريد ، يَجب أن نلتزم بفكرة الوفاء عند الرحيل ، و انتظار الصدف عند الزوايا المشرقة ، أن نبتعد عن الظلمات لكي لا تكسونا حُزناً ، سيديْ نهاية حديثي أوْصيكَ بالحُب لأنَّ العُثور عليه أشبه بتلك الحجارة المرمية بوسط البحر فلا تهرب منه إن قدسناه وإنْ لَوْحْنا للسعادة في حضرة الغيابْ ، فرغم السنون التي تُرسم على وجهي إلا أنِّي كلما حاولتُ النهوض مجدداً وجدتني ساذجة ، أمنِّي نفسي بأنَّك حتماً ستعود ، فإما تطرق باباً وإما تقف عند زاوية الإخلاص لتنتظر سماح القدر لنا بالاجتماع ولكنَّك يا أنتْ ، ترفضني بكل تفاصيلي مذ أخبرتك عن رغبتي بالارتباط بكْ ، وكأنَّك أردت وطناً لن يكتمل أبداً ، وجوع شوقٍ لن يشبع ، و ظمئ غياب لن ينتهي ولكنِّي سأعترف لكْ بأنِّي باقية لا محالة .




بالمناسبة : أحُبكْ .

.
.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق